/ الفَائِدَةُ : (31) /

16/04/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / التَّنْجِيزُ على مراتبٍ/ إِنَّه وإِنْ كان المعروف في بحوث علم اصول الفقه وعلم الكلام : (أَنَّ المُنجَّز لا يتنجَّز ثانية) ؛ للزوم محذور تحصيل الحاصل أَو اِجْتِمَاع الْمِثْلَيْن ، لكنَّ الحقّ وما عليه التَّحقيق : اِشتداد تنجُّزه ؛ لكون التَّنجيز علىٰ مراتبٍ من حيث الشِّدَّة والضّعف ، ومن ثَمَّ كُلَّمَا تكاثرت الأَدلَّة واِشْتَدَّت درجات التنجيز علىٰ قضيَّةٍ معيَّنةٍ كُلَّمَا تبدَّهت تلك القضيَّة . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها: بیان قوله عَزَّ وَجَلَّ المقتص لخبر مائدة بني إِسرائيل : [إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ](1). فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ علىٰ أَنَّ مُطالبات أَقوام الأَنبياء عليهم السلام بحُجَجٍ أَكثر تُزيد الحُجِّيَّة الإِلٰهيَّة وتعظم ويشتدُّ تنجُّزها عليهم ، وتُرفع عنهم فرصة الإِمْهَال، ويصبح مجال المراوغة والِالتِوَاء أَصعب . ومنه تتَّضح : كثير من بيانات الوحي ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «أَشَدُّ النَّاس بلاء الأَنبياء ، ثُمَّ الأَولياء ، ثُمَّ الأَمثل فالأَمثل»(2). بتقریب : أَنَّ دين الإِسلام مع أَنَّه واحدٌ لكنَّه علىٰ مراتب لا نهاية لها ، وحيث إِنَّ قرب المخلوقات إِلى باريها علىٰ مراتبٍ أَيضاً فيكون اِدْرَاكها لحقائق الدِّين يختلف من مخلوقٍ إِلى آخر . وكُلَّمَا اِزْدَادَ علم المخلوق واِزْدَادَت إِحَاطته بتلك الحقائق كُلَّمَا اشْتَدَّت الِابتلاءَات والِامتحانات والمسؤوليَّات والحُجِّيَّة الإِلٰهيَّة عليه ، فتكون فرصة المُهْلَة والمُرَاوَغَة والِالتِفَاف علىٰ الأَوامر الإِلٰهيَّة معدومة لديه . وَمِنْ ثَمَّ كانت وظيفة وشريعة المُخْلِصِين أَشَدُّ مسؤوليَّة من وظيفة وشريعة أَهل اليقين ، ووظيفة وشريعة أَهل اليقين أَشَدُّ مسؤوليَّة من وظيفة وشريعة المُتَّقين ، ووظيفة وشريعة المُتَّقين أَشَدُّ مسؤوليَّة من وظيفة وشريعة عموم المؤمنين ، وحيث إِنَّ كُمَّل المخلوقات هُم الأَقرب إِلى ساحة القدس الإِلٰهيَّة فتكون وظائفهم ومسؤوليَّاتهم واِبتلاءَاتهم أَشَدُّ وَأَعظم خطراً وهولاً. ومنه تتَّضح : كثير من بيانات الوحي الأُخرىٰ الواردة في حَقِّ سيِّد الأَنبياء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، منها : بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله : «ما أُوْذِيَ نَبِيّ مِثْل ما أُوْذِيت»(3). فإِنَّهم ( صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) بعدما كانوا رأس هرم جملة كُمَّل المخلوقات لاسيما سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله كانت الِابتلاءَات والِامتحانات الَّتي تعرَّضُوا إِليها لم يتعرَّض لها مخلوق قَطُّ. ويضاف إِليه : أَنَّهُ كُلَّمَا اِشْتَدَّ كُنْه عقل المخلوق ودرجة علمه كُلَّمَا اِشْتَدَّت الحُجِّيَّة والمسؤوليَّة والِامتحانات عليه ، وحيث إِنَّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لا سيما سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله هُم رأس هرم العقلاء اِزْدَادت الحُجِّيَّة والمسؤوليَّة عليهم ، وكانت الاِبتلاءَات والِامتحانات الَّتي تعرَّضوا ، بل ويُتَعَرَّضُون إِليها لم يتعرَّض لها مخلوق قَطُّ . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المائدة: 112 ـ 115. (2) بحار الأَنوار، 78: 194/ح51. (3) بحار الأَنوار، 39: 56